الخميس، 23 أغسطس 2012

أولى "محاورات المفترق"

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى ، وبعدأخي الحبيب سعيد عمر السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهفلتكن هذه أولى "محاورات المفترق"  نتواصل بها بعد طول فرقة ، ونتآلف بها بعد عظيم وحشة



نجدد ما أبلاه الزمان ، ونؤسس لما سيكون ونجلِّي لما قد كان ، ونحيي بها "محاورات المعترك" التي قد بدأناها سويا فانتظم بها عقد محبتنا ، وتواصلت بها جدائل أفكارنا ، فعمَّرت زمنا طويلا يسقينا غيثه ، ويظللنا برده ، ويدفع عنا واقع الحياة بتأزماتها ، فنهرب منها لملاقاتها ، ونبتعد عنها للإستعداد لها .


صديقي ، وهاهو الواقع المأزوم قد استفرس بك ، وتأسد عليّ ، فإذا لم يكن للمرء زاد يستعين به؛ توهته الدروب ، وضللته المسالك ، فبات أسيرا ترضخ رأسه سفسفاتها ، وتملك قلبه زخارفها ،وأنَّى له الهروب منها وهي تحاصره من كل جهة ، وتواجهه من كل ناحية . فإذا لم يكن عقلك لي عقل ، وقلبي لك قلب ، وزادنا إلى الله زاد .. تهنا وضعنا.


أخي سعيد : أكتب إليك هذه الرسالة القصيرة وينتظرني حدثين قريبين : أولهما بعد ساعة أو أقل.وثانيهما بعد يومين أو يزيد. أما الأول: فهو امتحان اليوم الأول للسنة الثالثة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب. وأما الثاني فهو ابتداء إجازتي الخاصة لمدة عام ، والتي تمت الموافقة عليها بعد صعوبة شديدة ، وهي إجازة للتفرغ للدراسة ، وحسنا فعلوا ، إنها يا سيدي لبشارة طيبة ، أنتظرها بشغف ، إنه "عام العلم " هكذا فليكن . أعدك أنني لن أضيع ثوانيه ، ولن أغفل عن لحظاته ، فليكن هو العام الأول في عمري القصير الذي أتفرغ فيه تفرغا كاملا للعلم ، وإن أمامي أمانيا كبارا وضعنا بذرتها سويا ، وآمل من الله تعالى تحقيقها .


فليكن صنيعنا الجد ، وطريقنا الصعب ، وهمتنا البركان ، ونومنا الغفوة ، وزادنا التمرة ، ومركبنا الخطوة ، وهدفنا قمة الجبل ، وغايتنا من ليس لنا سواه ، ولا نرجو غيره ، ولا نعمل إلا له ، فهو قريب قريب ، سميع مجيب ، يمنع عنك ليعطيك ، ويمتحنك ليمنحك ..


أخي الحبيب ، لتكن أولى محاوراتنا تحديد للهدف ، ورسم للطريق ، حتى لا تضيع محاوراتنا سفسطة بغير ثمرة ، وجدل عقيم بغير فائدة : لفظ مشقشق ، وجل منمق ، وزخرفات مرتبة .. فإذا بحثت فيها عن معنىً يأسرك ، أو فكرة تدفعك ، أو غورا من الأمر يشدك ويجذبك .. فلا تجد .لا يا صاحبي ، فإنما يحكم الكلام معانيه ، ويصوغ اللفظ فكر صاحبه ، وترقد هنالك "حالات المعاني " فمنها يستمد معنى ، وعليها يقوم فكر. أخي فلنمزج اللفظ بالفكر فيقوده ، ونوشِّج الفكر بأمهات المعاني فيلزمه ، فإنما كلامنا : لغامض نجلِّيه ونوضحه ، أو لمخبوءٍ نفلقه ونظهره ، أو لمختلط نزيل اللبس عنه ونبينه . وهل هناك غير هذه الثلاثة تستحق منا الجهد ، وتستلزم منا البذل !! أن نعرِّف بفكر مخبوء ليس له وجود ، أو فكر موجود غير أنه مختلط مشوب ، أو فكرة جديدة نسعى للكشف عنها والتنظير لها؛ كل هذا على مستوى العقل فكره . أما على مستوى القلب فليكن صنيعنا : إما أن نستشعر (معنى) لم نبلغه ، أو نحقق عاطفة عايشناها بيد أنا لم نبلغ الغاية منها.وليكن عنوان ذلك كله : خُلُق يظهر أثره ، وتفوح قيمه ، وتبدو معالمه.


أخي سعيد لا يصلك خطابي هذا إلا على الجد محمله ، العزم مركبه .ولا يصادفن منك إلا عصبا بغير لحم؛ فما الإنسان بالجسد ، ولا المرء بالبنيان ، وإنما بما استقر في باطنه من مجريات الفكرة والشعور .أخي إن ما مضي من الفائت ،أدعى بنا لأن نغتنم ما في أيدنا قبل أن يفوت ، وكفانا من معظم العمر ضياعه ، فهيا بنا لنخط لأنفسنا طريقا بدأناه ، ونخيط لنا ولغيرنا ثوبا قد نسجناه؛ غير أنا نحتاج إلى تفصيله وحياكته بما يتناسب مع الغاية التي نسعى لها.


أخي الحبيب فلنضع لأنفسنا منهجا نسير عليه ، وخطوا نستبق إليه ، فيكون لنا عنوانا وعلينا دليلا ، فقد كثر اللغط ، واستحكم الغلط ، وطفا على السطح كل قبيح ، وقعد عن المواجهة كل مجاهد غيور ، قوي جسور ، يملك من أسباب النصر والتمكين ما يقيم به الدعائم ، ويبني عليه القواعد ، غير أنه ما زال لا يحسن الوجهة ، أو يحبسه ضعف الهمة.


سعيد إنني اشتاق إليك اشتياق الرفيق في الصحبة ، والنديم في الخلوة ، والأخ الصدوق في وقت المحنة ، فهل لك في مدٍ لساعديك فإن البحر متلاطم أمواجه ، متدارك خطبه ،حالك ليله ، متشعبة مسالكه ودروبه ، فهيا بنا نُمسك كفا بكف ، ونضع قلبا على قلب ، ونمزج روحا بروح .. فإن في التقائنا قوة ، وفي تجمعنا عين الفتوة ، وفي توحدنا النصر المبين .


أخي الحبيب لتكن هذه هي أول وثيقة من وثائق "محاورات المفترق" عرضت فيها لجملة الأهداف التي أرى من الواجب أن تجمعنا ، ( قلب وعقل وخلق ) وتبقى بعد ذلك الآليات والوسائل .فإن اتفقت معي على الهدف فلتحدد لنا الوسائل التي سوف نتحاور فيها مبتدءا ذلك برؤوس الموضوعات المقترحة وطريقة اللقيا حولها ، وإلا فأضف أو احذف منها ما شئت ، وليكن ذلك كتابة قبل مشافهة .


أخي الحبيب لو شئت أن تسمي رسالتي إليك ..



السيد النحراوي الأحد 27/5/2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق