الأحد، 3 أكتوبر 2010

اللحن الهارب


يا لحــــنا عشــــت أردده
ما بال الخـــــوف يبـدده
النجــــم الساطـــع لي أملٌ

يدنـــو واليأس يباعــــده
ما حيلـــة صـــــبٍ يشغله

طيف بالوهـــــم يواعـده
أيضيــــع العمـــر ويذهبه

بحثا عن حســــن يسعده
أم يجثــــو في ظلمـــة دارٍ

القبــــــح بهــا يتوعــــده
أيكون النجــــم له سكنــــاً

أم قاع الحســــرة مرقده
لا أبغــــي شبابا أنثــــــره

حبا في حقــل يفســــــده
ما بالي أنثــــــره وهمــــا

في وجه الريح فتجحــده
إني والشــــــك يساورنـي

في أمـــر بـــت أفنـــــده
أبدو كغـــــريق في بحــــرٍ

موج كالطـــــود يعربده
لكن العزْمــــــــةَ أيقظهــــا

ضــــوء بفؤادي أشهـده
فالغصن الواجم في روحي

غنى وتراقـــــص أملـده
وسحــــاب أعتم لي أفقـــي

أخذت تنجــاب رواكـــده
إن كان الحلـــــم ذرا جبــل

من حَرِّ الجمر سأصعده
أو كان مليكـــــا في عرش

سيَعِنُّ خضوعا أصيــده
فاللحن الهارب من زمنــي

قيثارة قلبـــــي تنشــــده



سعيد عمر
نوفمبر 1999
من المنطلق

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

طيف الحبيب

يا طيف حبيـــــــــــــــــب أجهله

يستلـــــــــــــــــب اللـب ويشغــلـه
إن كان الوصل لنا أجلاً

ما بال الــــــــــــــــقدر يؤجــــــــــله
فالماء الجـــــــــــــــــــاري أنهاراً

فاضت بالروض جداوله
والحقل الزاخر أزهــــــــــــــــاراً

أعطت بالجـــــــــــــود سنابله
والدَوْحُ الوارف أشجـــــــــاراً

صاحت بالشــــــدو بلابله
فلماذا قلبــــــــــــي ظمـــــــــــــــــــآنٌ

يبكـــــــــــــــــي والوجـــــــــــــد يُقَتِّله
مسلوب البسمة حــــــــيرانٌ

يشقى وتُسَـــــــــــــــــــرُ عواذله
يمضي كضرير يلتمس

ضـــــــــــــوءً والناس تضلله
عيناه تفتـــــــــــش عن حـلم

وعصــــــــــــــــاه بيده تخـــــذله
ما كاد يغنـــــــــي في درب

حتى تنطفــــــــــــــئ مشاعله
إني ملاح في بحــــــــــــــــــــــر

قد ســـــــرقت منه سـواحله
من لي بالحب فيرشدني

وتريح النفــــــــــــــس شمائله
فالنور بعَيْنَــــــــــــــــيْ فاتنــــــةٍ

لا أدري أيـــــــــــــــــــــــن أقابلـه



سعيد عمر
أكتوبر 1999

الجمعة، 24 سبتمبر 2010

عاشق الأوهام

بنيت القصــر فلم تسكنيــــــــه
كتبت الشعر فلم تقرأيـــــــه
رويــت الرياض بمــــاء الوداد 
فشاب الزهر ولم تقطفيـــــه 
أنا من هويتك حتى سكنــــــت  
في مقلتيــــك فلم تمنعيــــــه 
 أنا من بكيتك حتى انتهيـــــت
فهل في عيونك ما تذرفيـــه 
 صنعت بدمعــي نهرا عظيمــا
يشكــــو إليك فلم توقفيــــــه 
 غرق الفؤاد بنهـــــر الدمــوع
نادى عليك فلــــم تنقذيــــــه 
 عمري يئن كوتر حزيـــــــــن
شئت بصدك أن تقطعيــــــه 
 كأن الصدود شــراب لديــــــك
شاءت عيونك أن أرتويــــه 
 أنا من سكنت صـروح الخيال
فخـــر الخيال على ساكنيــه 
 فأين السراب الذي كان يومـــا
يغازل دربـــي ولا أحتويــه 
 وأين الضياء الذي كان دومـــا
يزيد العيون شرودا وتيـــــه 
 فلا بضياء الحبيب اهتديـــــت
ولا بظــلام النوى أقتفيـــــه 
 أعيدي زمان الخيال فإنـــــــي
عشقتك وهما كــم أشتهيــــه 
 أعيدي زمانا فيه ارتضيــــــت
جفاء الحبيب ومن يرتضيـه 
 أعيدي زمانا فيه انتبهـــــــــت
لدرب الخداع فأسرعت فيـه 
 فعشقك ليس سبيـــــــلا إليـــك
ولكن ضلال لمن يبتغيــــــه

سعيد عمر 
2 / 10 / 2000

أصبحت ملهمتي

أمعنت في عينيك فانكشف الدجــى
وتهيجت من سحــرها أشجانـي
ورحـــــلت أبحث فيهما متعطشـــا 
عن غنوتي وصــــبابتي وبيانـي 
 فأخــــــذت أنهل منهما مستعـــذبا
حتى طربت وغردت ألحـــاني 
 فإذا القــوافي قد تناهى حسنــــها
تنســــاب نهرا هائم الجــــريان 
 وتدفق القلب الشجـــي جــــداولا
تروي ظما الأحواض والوديان 
 هذا غــــنائـي قد تردد في الربــا
تشــــدو به الأطيار في الأكوان 
 يا سلوة جـــاد الزمـان بحسنـــها
فنسيــــت ما لاقيت من حرمان 
 قد كنـــت قبلك عاشقا لعبـــت به
أوهـــامه .. حــب بلا خفقــان 
 قد كنت قبلك حاكما سخـــرت به
أيامــــه .. مــلك بلا سلطـــان 
 قد كنـــت قبلك شـــاعرا ألقت به
أحزانه في مسبـــح الحيتـــــان 
 قد كنت قبلك فارســــا غدرت به
أحــلامه واغتيل في الميــــدان 
 جبـــت المدائن باحثا عن غنـــوة
فلطـــالما حلمــــت بها أوزاني 
 ورجعت من زمن الدمامـة يائسا
ونعيــــق بوم الليــل في آذانــي 
 الأرض قد صارت ظلاما دامسا
القبــــح فيها شـــــاهني وبراني 
 وظننـــت أن الفجــر ودع مقلتي
والليل قد نســجت به أجفــــاني 
 وإذا بضــوء من عيونك لاح لي
وإذا بهمســــك رق لي ودعاني 
 فوجـــدت أنغام الزمان تجمعــت
وترنمــــت في تلكمـــا العينــان 
 والآن يا ضوء الرجـاء وفرحتي
وقصيدتـي وقيثارتــــي وبنانــي 
 لو أنني استلهمـــت لحنا واحــدا
من ناظريك الســـاحرين كفانـي 


سعيد عمر
25 / 7 / 2006

الجندل الرابع والعشرون

في مثل هذه اللحظات من العام الماضي كتبت قائلا:

"لقد ألقى بي الشلال من فوق الجندل الثالث والعشرين ليدفعني التيار سائرا بي إلى جندل جديد ..."
وقلت ساعتها بأن هذه العبارة تكفي وحدها كصورة لكل من أراد أن يتعرف على تاريخي!!

والآن .. وبعد أن ألقى بي الشلال من فوق الجندل الرابع والعشرين، فإنني أتساءل: كم بقي من الجنادل أمامي في مجرى النهر؟

آه أيها النهر الطويل الجامح .. هلا هدأت .. أو انتهيت !!


سعيد عمر
الثانية عشرة والنصف
من منتصف ليل السبت
16 / 3 / 2001
من المنطلق

خلفي لموعدكم

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي/ أ. سعيد إسماعيل عمر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بلغني أن سيادتكم قد آلمكم خلفي لموعدكم، وانتقاصي لحق من حقوقكم .. ولقد أبلغني من أبلغني ـ فإن صدق من أبلغني ـ قولكم بالنص:
"بأن السيد نزل من نظري" أو "نقص في نظري"
لست أعرف سيدي ما الذي حدث فجعل ما كان كبيرا يصغر .. وما كان مكتملا عندك ينقص .. خلفي لموعدكم هذا الذي حدث، فيا ترى أحدث كبير أم حدث صغير هو؟!

كي أحكم على الحدث لا بد من معرفة حدوده كي أقيمه بحجمه .. ومن ثم أقدر ما قد يترتب عليه .. ولأنك لم تعرف ما الذي حدث، فإنك لن تستطيع أن تقدر حجمه .. وبالتالي فمن الخطا الحكم على (ظاهرة) غير واضحة المعالم ... هذه واحدة!!

الثانية سيدي، سعيد:
كنت أظن ـ والحمد لله أنني لم أوقن وإلا كان من الممكن أن يضيع عندك يقيني ـ أن المعاني ثرية في ذاتها .. ثرية في أضدادها .. ما لم تقم بذاتها .. ومعنى هذا: أن شعور الضيق النفسي قد أصابك حين تركتك وانصرفت .. هذا معنى ..

وكان أولى أن تمزج هذا بهذه .. أي بالعفو منك لما بدر مني .. فيقابل شعور العفو منك لي، الغضب مني لك .. فغن الذي أوقن منه أننا نتعامل في حدود المعاني قبل الأحداث .. والشعور الحي المتدافع قبل النمطية الحياتية السقيمة.

سيدي، سعيد .. لا يحزننك أن قد كنت صغيرا في هذه .. فقد أسعدني كبرك فيها .. ولا يؤلمنك كوني تقازمت ـ إن كان التقزم حينئذ بيدي ـ فقد يطمئنني لو تكون فيها تعاظمت ..

أخي سعيد ..
يريد بعض الزملاء في عين شمس ترجمة كتاب كامل مقسم على سبعة من الأفراد .. أرجوك أخبرني بثمن ترجمة كل صفحة .. وهل تترجم الصفحة العربي أم تحسب على الصفحة E .. هذه فرصة فأرجو ان تخفض لهم بقدر الإمكان .. 

أخي سعيد ..
أستودعك الله على أمل اللقاء بك ..
واعلم أني أحبك في الله.
والسلام


السيد النحراوي
الاثنين
26 / 3 / 2001

ألفة وتعارف

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الأستاذ سعيد إسماعيل عمر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

فإنها نعم السُنَّة التي أقمناها ـ والتي أتمنى من الله ألا تنقطع ـ هي المراسلة .. أو كما أسميها أنا التواصل الفكري والتمازج الشعوري ..

أخي سعيد .. ما رزق المرء في دنياه خيرا من أخ صالح وصديق تقي يبصره ويرشده ويعلمه .. فترتاح به نفسه من تعب .. وتأنس به روحه من وحشة .. ويلذ به قلبه من هجران .. 

أخي سعيد .. احفظ كلماتي إليك .. وسأحفظ كلماتك التي لعلها تكون نبراسا طيبا لأدباء أخلصوا لما ينتمون .. وصدقوا الله فيما يفعلون ..

أخي سعيد .. لقد بعثت إلي في رسالتك السابقة ما نصه:
"بسم الله الذي خلق الأرواح بقدرته .. والف بينها بحكمته .. فتعانقت، وتمازجت، ثم فاضت جدولا متهاديا ..."
هذا نص ما كتبت كما كتبت ..

واسمح لي أخي أن أتناقش معك في بعض ما كتبت وأشرح لك رأيي في معاني ما قد قيدت بالكتابة ..

لقد قلت سيدي وعبرت بلفظة: "وألف بينها بحكمته ..." واسمح أن أبين لك:

أن الفعل "ألف" لا يكون مع الأرواح وإنما الأرواح لها "فعل" آخر غيره .. فإنما جعلت الألفة للقلوب دون الأرواح كما يقول تعالى: 

"وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" ( الأنفال 63).

فتكرار لفظ فعل "ألف" ثلاث مرات في الآية إنما يؤكد أن حقيقة الألفة مع القلوب لا غيرها ..

أما الأرواح فإنها إما تتعارف وإما تتناكر .. كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
"الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"
فالتعارف والتناكر منزلة دون منزلة الألفة .. والألفة تتبعها في تعارف لا شك يأتلف .. وما تناكر لا محالة يختلف .. كما قال صلى الله عليه وسلم:
"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم".
فجعل الاختلاف في الرأي يؤدي إلى اختلاف القلوب ..

أخي سعيد أردت من هذه اللفتة أن أغوص معك في بطون المعاني .. وأسبح معك خلف غيامات الألفاظ .. وأحلق معك في سماء الفكر الحي .. فاقبل مني مادة ما كتبت ..

أخي سعيد .. أنتظر ردك بحرقة وحرارة فاحتفظ بما كتبت إليك .. وأقترح أن يصور كل منا نسخة مما كتب ويحفظها عنده حتى لا تضيع ..

أراك على خير .. وجزا الله أخانا محمد رمزي حامل الرسالة خير الجزاء .. فإنه نعم الأخ .. وفي طبعه .. نقي سريرته .. تقي خلقه .. نقي فؤاده .. ولا نزكي على الله أحدا ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


السيد النحراوي
الثلاثاء
3 / 4 / 2001
9 من شهر المحرم 1422 هـ 

الخوف من الضياء

بسم الله الذي لا إله غيره .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ..

أما وقد دفعت بي الحياة إلى تلك النقطة الغريبة .. في ذلك الدرب الغريب .. حيث أصبح الماضي تلالا من جليد تسبح في بحور الذكريات .. تذوب شيئا فشيئا كلما اشتد الخناق .. حتى كادت أن تتلاشى حين انقطع رسول الحب .. وحلق الوحي وأجدب الخيال .. صارت تلك التلال طلولا من بلور صغير ناصع مغمور تحت جناح الموج .. يتألق حين يلوح القمر.. لا أذكر أن البلور تألق منذ سنين .. فسمائي ما عادت تذكر وجه الأقمار .. قد ملأت بغمام أسود .. والقلب المحزون تعود .. أن يفجع باللون الأسود ..

لا أذكر أنني يوما رايت الضياء .. هذا الضياء الذي كان في يوم رجاء .. أمل يبلغني الحقيقة والسعادة والصفاء .. قد صار في يوم وليلة خطر يناصبني العداء .. بعد أن كان الضياء دليل عيني، وقبلة روحي، وانتفاضة خاطري، ومنى قلبي، صار الآن عدوي الوحيد .. تلك هي سخرية القدر ..

لقد أصبح شعاع واحد من الضوء، بل فوتون واحد، كفيل بأن يوقعني في مشكلة كبرى .. وبعد أن كنت أبحث عن أهداب النور .. أصبحت الآن حريص كل الحرص على إسدال سجف الظلام .. صارت حياتي ظلام في ظلام .. أخشى من النور كما لو كان الموت .. كما لو كان "الورشة" التي كنت أفضل الموت على المرور عليها ليلا وانا صغير .. أصبحت لا أعمل إلا في الظلام .. أصبحت أحب الظلام .. أصبحت أكره النور.. حتى صرت الآن خلف الستائر السوداء .. لا أذكر أني يوما رايت البلور الطافي فوق بحور الماضي .. يتألق حين يطل القمر ..

أنا الذي كنت في يوم طليقا .. عصفورا رأى أن السماء بلاده .. ملك على كل أشجار الدنيا .. يقيم عشه على ايها شاء .. ومتى شاء .. وكيفما شاء .. صرت الآن حبيس جدار من الزجاج .. أرى عصافير الدنيا من خلاله تحلق مغردة لحن الحرية .. وانا لا استطيع الانضمام إليها .. أو حتى مشاركتها في الغناء .. خلف هذا الجدار الزجاجي ما عدت أعرف كيف أغني .. اختنق اللحن في ذاكرتي .. فمات .. وماتت ذاكرتي حزنا عليه ..

في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. أشعر وكأني ورقة سقطت .. من غصن ما عدت أذكر شجرته .. ما زالت تسقط .. تسقط .. كلما نظرت أمامها لا ترى إلا بئرا سحيقا مليء بالظلام الذي يفيض على جنباته .. هي لا تملك إلا أن تسقط ..

هل ذاك مصير الوهم الشارد الذي يطلقون عليه الحلم .. أنا الذي اتخذت أحلامي من النجوم قصورا .. ومن الشمس سوارا .. ومن القمر إزارا .. أنا الذي كانت أحلامي لا تعرف إلا العلا .. والصعود .. خدعتن وانحدرت صرعى في سبيل للسقوط ..

في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. درب السقوط .. درب الظلام .. أتحسس قلمي .. أين أنت يا قلمي .. أين أنت .. لا أذكر أين تركتك آخر مرة .. ومتى كانت تلك المرة .. لست أدري .. ما أشد حاجتي إليك الآن .. فلعل أفضل ما أواسي نفسي به الآن هو أن أدون ذكريات السقوط .. فتون السلوى لفؤاد أضناه النواح على أطلال ما عاد يذكرها .. فلتهنأ يا فؤادي بكاء كلما خط اليراع مشهدا من مشاهد السقوط .. ولتسعد يا قلمي أنينا كلما درجت جبين الورقة الخجولة بدموعك الغزار.


سعيد عمر
15 / 11 / 2000


الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

إلام الصمت يا قلمي


إلام الصمـــــــــت يا قلمــي
وجرحك غيــــر ملتئـــــــمِ
مناك الشدو في فجــــــــــرٍ
وليلك غير منصــــــــرمِ
ولو سطـــــــرت ما تخفــي
لضاق اللـــوح بالكلـــــــــمِ
جفاك النور فانصاعت
بك الأيام في الظلــــــــمِ
تبــــــــــث الليــــــــــــل آهــــــــاتٍ
وقلب الليل في صممِ
ولا ثقبـــــــــــــــــا لبارقـــــــــــــــــــــــةٍ
تخفــــف وطـــــــأة الألـــمِ
أنا من بـــــــــــــــت تثقلنـــــــي
جبال الكرب والغمــــــمِ
فصـــــــــــــار القلب بركانا
يضيق بلافح الحمــــــمِ
أنا من تامـــــــــه حســـــــــــن
فجاء البيــــــــن بالسقــــــمِ
أنا من أسدل الأحــــــزان
فوق نشيـــــد مبتسمـــــي
فصار النوح مرثيــــــــــــــةً
تبدد ســــــــالف النغــــــــــــمِ


سعيد عمر
15 / 8 / 2001
من المنطلق

آخر أطياف الوهم

بسم الله الرحمن الرحيم

ساعة واحدة ويلفظ هذا العام آخر أنفاسه وألفظ أنا الآخر آخر أطياف الوهم ..

ها هي الآن قد تجاوزت الثانية عشرة .. انقضى عصر الأوهام بسقوط آخر معاقله .. والآن أنا في انتظار شعاع ضوء اليوم الجديد .. أعرف، سيكون شعاعا حارقا .. فقد اجتثت الشجرة التي كنت أستظل بها متوهما بأنها العالم، ومتخذا منها مقرا لعشي ..

كانت تذبل شيئا فشيئا .. وكانت ترحل منها الطيور طائرا بعد الآخر .. وكنت في غفلة عن ذلك .. إلى أن جاء اليوم الذي سقطت فيه آخر أوراق تلك الشجرة .. وارتحل آخر إلف من طيورها وتركني وحيدا .. فأفقت لأجد نفسي على الأرض بعد أن أطاحت بي العواصف مع الجذع العاطب ..

لم تعد هناك أشجار .. بل صحاري قاحلة .. وتحول الطائر المحلق إلى طائر داجن عليه أن يجوب الصحاري مترجِّلا بحثا عن الحَبِّ بين ثنايا الصخور .. وإلا فالجوع والموت هو مصيره المحتوم ..

هل انتهت حياة الطائر هكذا؟ يهيم وحيدا بين الحَبِّ والصخور؟ أم أنه كما وجد أليفا من قبل على شجرة الوهم يمكن أن يجد أليفا الآن على أرض الواقع؟

وإذا كان أليف الشجرة قد هجره مع تساقط الأوراق في موسم الجفاف، فهل يقيم معه أليف الأرض مع تفتح البراعم في موسم المطر؟


سعيد عمر
31 / 12 / 2001
من المنطلق

في نقطة على درب الحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

في نقطة على درب الحياة لا أعرف هل البداية أقرب إليها أم النهاية، أجلس الآن وأخط هذه السطور .. أجلس وقد أحاطت بعيني سحابات الضباب فلا أكاد أرى دماء القلم على وجنة الورقة التي أكتب عليها .. وقد وقع القلب فريسة لهموم قد أطبقت على صدري لا أعرف كيف نزلت ولا كيف ستزول، إن كانت زائلة .. 

أجلس وعقلي أراه أمامي كغزالة وجدت نفسها في وادي الأسود .. فلما أدركت ذلك صارت تهرول يمينا، فإذا بأسد شاهرا أنيابه في انتظارها .. فأفزعها ما رأت فاستدارت يسارا وأخذت تجري، فإذا بأسد آخر يظهر من بريق أنيابه الطويلة أنه أكثر ضراوة من الأول .. وكلما جرت في أي اتجاه محاولة الهرب، وجدت أسدا في انتظارها يلعق شفتيه بلسان أغرته الفريسة الحائرة .. وهي الآن نعدو لا تعرف أين، ولماذا ..

أجلس وجسدي الذي أنهكه العمل في حقول القطن نهارا، والسهد في حقول الحيرة والوهم ليلا، قد اعتراه نحول يكاد من فرطه أن تراني النسور المحلقة فريسة سهلة في بحثها الذي لا يمل عن أمثالي من المشرفين على الموت .. 

هذه هي حالتي في تلك النقطة اللامعلوم مكانها على درب حياتي ـ والتي يبدو أنها أقرب من النهاية عنها من البداية ـ جسدا وعقلا وروحا ..

من تلك النقطة أنظر خلفي .. ثم أنظر أمامي .. فلا أدري لماذا كان خلفي .. ولا ماذا سيكون أمامي .. أنا جالس وليس في جسدي أو عقلي أو روحي قوة تدفعني إلى النهوض كي أفتش في سجلات الماضي .. أو أستشرف آفاق المستقبل .. 

أنا جالس وإحساس بالغربة يرميني بعيدا في عالم أجهله .. كل ما فيه ومن فيه غريب .. أشعر بالغربة عن وطني .. أشعر بالغربة عن أهلي وإخوتي .. أشعر بالغربة في داري .. في حجرتي .. اشعر بالغربة عن نفسي .. 

من أنا؟ من ذلك الكائن الذي يقول عنه من حولي أنه أنا؟ إنه كائن طالما لازمني وطالما حيرني .. لا أعرف لماذا كان .. ولا ماذا سيكون .. ولا كيف .. لا أعرف ماذا يريد من الدنيا .. ولا أعرف ماذا يريد مني .. لا أعرف هل حقا هو أنا، أم أنها روح هائمة تلبسني وتدور كطيف في عالم كله أطياف لا مكان فيه للحقيقة .. أما أنا فأغط في نومي في مكان ما من الوجود .. أو اللاوجود .. حيث الحقيقة تنظر إلي وقح احتضنتني وأخذت يدها تملس شعري في شفقة أثارها معرفتها بحلمي المفزع .. أخبريني أيتها الروح الساكنة أعماقي .. والتي سلبتني من كينونتي .. من أنت؟ وما الذي تعرفينه عني؟

آه أيتها النقطة اللعينة .. لماذا لا تكونين نهاية هذا الدرب الأليم فتتكشف الحقيقة .. وتنجلي تلك الظلمة الكئيبة ..

أذكر، فيما أذكر الآن من الماضي الذي يتراءى أمامي في صورة مشوهة المعالم لشكل رسمته بيدي ولا أعرف لماذا خرج على تلك الصورة بالذات ولا لماذا رسمته أصلا .. أذكر أنني ما اخترت دربا أسير فيه دون غيره من الدروب عن اقتناع وقين، أو عن فهم وبصيره .. بل ساقتني إليه قوة مجهولة لا أعرف لها اسما أو جنسا أو مكانا أو كنها .. تدفعني إلى السير فيه فأسير كأعمى ضلت عنه عصاه فلم يجد مفرا من السير على هدى من حوله وفي أعماقه شك في أمرهم، وشعور بعدم الجدوى والترقب، وإحساس بأنه في لحظة معينة أثناء سيره سيرفع قدمه ليضعها ، فغذا به يضعها في خندق مشتعل .. ولكنه يسير ولا يثنيه عن ذلك الإحساس وتلك الفكرة إلا قلة حيلته وهوانه .. 

دائما أسال نفسي: هل تحب السير في هذا الدرب؟ فيبادر قلبي بإجابة يدفعه إليها ما يعانيه من شك وحيرة ويقول لا .. إذا فلماذا تسير؟ فأجيب بالسؤال: وهل هناك درب آخر تفضل السير فيه؟ ويكون ذلك السؤال إيذان بقفل باب المناقشة، حيث إن الإجابة الصامتة لم تحصل على الأغلبية المطلوبة لطرح سؤال غيره ..

أجلس في تلك النقطة الآن بعد عودتي من رحلة في عالم الماضي .. وما أبصرته في تلك الرحلة من عمى أصابني في مدينة الماضي لا يقل غموضا عما أنا فيه في مدينة الحاضر، حيث أجلس متكأ على جدار ذو أبواب لا أعرف لها عددا .. وجمع من الناس أمامي يتلاشون في ضباب الأفق .. كل واحد منهم يشير إلى أحد الأبواب ويصيح: "اطرق هذا الباب" .. فأنظر إلى الأبواب فلا أجد ثقبا واحدا فيها أستطيع من خلاله رؤية ضوء طالما اشتقت إلى بريقه وحقيقته المتألقة .. 

وفي غمرة هذا الضجيج أسمع صوت العقل يصيح: "اطرق هذا الباب" .. فيلقي هذا الصوت على أصوات الضجيج رداء سميكا فلا أسمع إلا صداها يموج في آذاني كلما خفت صوت العقل الرنان .. 

ثم تنتابني فجأة قشعريرة تنتصب لها خصلات شعري إثر صوت ملائكي قادم من أعماق الروح، حيث عالم الوجدان السابح في ملكوت الطمأنينة الأبدية .. صوت نبراته الحكمة .. ولحنه السرور .. وإيقاعه الرقة والعذوبة .. يقول واثقا مطمئنا: "اطرق هذا الباب" .. فأنهض واقفا وقد دبت الحياة في أوصالي وأسرع لكي أطرق ذلك الباب .. فأراه ينفتح أمامي وهالات النور تلوح خلفه .. فأركض نحوها ..

وإذا بقطيع الناس أمامي يسدون عن عيني ضوء الأمل .. ويقطعون ما بقلبي من ألحان الصفاء المطلق بأصواتهم الكدرة الجافة التي تسد آذاني بضجيجها المفزع .. وتطبق على قلبي برواسبها العفنة .. فتفر الروح من أعماقي .. وأصير جسدا عاثت فيه الأمراض فسادا .. يطفو على أمواج ضجيج البشر التي تقذفه وتتلقاه دون أن تتركه على شاطئ ينعم عليه بموت هادئ .. 

سعيد عمر
8 / 10 / 1999



الأحد، 19 سبتمبر 2010

عشـــق المحـــال


تعالي نعيـــــد زمان الجمــال

ولو كان ذاك بدنيا الخيـــال
فقد آن للقلــــب أن يرتـــــوي

ولو كان مـــاء الروا لمع آل
تعالي نعانــــد هذا الوجـــــود

وللوهم هيا نشــــد الرحـــال
فإني بنيت قصـــور المعانـي

هناك وشيدت قصر الجمال
تعالي نعانـــــــد هذا الزمـــان

فنسخر من قيــــده والعقـــال
ونحلم أنا غــــدونا طيـــــورا

تحلق بين النجــــوم العـــوال
فما الأسر إلا لهذي الجســـوم

ولكن أرواحـــــنا لا تطــــال
تعالي نعيــــد لحون الســواقي

فهذي أطـــــلالها لا تـــــزال
تعالي نلملــــم أشـــــلاء حلــم

سفها تدوس عليـــه النعــــال
تعالي فإني فقــــدت الضيـــاء

وما الضوء إلا قرين الظلال
تولد أشباحـــها في الصبـــاح

فتغـــري أحلامنا بالنضـــال
نقاتل والشمس فوق الرؤوس

تميـــل فتجعلــــها كالتــــلال
تطول إلى أن تغدوا مســـوخا

فتقضي علينا عنـــد الــزوال
فهل ترسل الشمس إلا ضياء

ترمي في إثـــــره بالنبـــــال
إني قتلـــــــت وهذي دمــــائي

لا أدري من أي جرح تسـال
فهل كنــت إلا شـــــريدا أتاكِ

يبحث عن رشده من ضـلال
وهل كنت إلا ذليـــــلاً هـواكِ

رأي في جمالك أبهى مثــــال
أمضى الليالي سهدا فأضحـى

يشكو من شوقــــه والهـــزال
فلا تبخلين بمنحــــــي الــدواء

ولا تقطعين بقلبي الســـــؤال
وإن كان دائي عشقي الصفاءَ

بعينيك بالبرء صعب المنـال
فهيهات للعشق ترك الحنـــايا

وهيهات للصب نيل الوصال
فحسبــــــي أني أرنـــو إليــها

وحسبُ الأماني عشق المُحال



سعيد عمر
8 / 4 / 2001
من المنطلق