يا لحــــنا عشــــت أردده | ما بال الخـــــوف يبـدده | |
النجــــم الساطـــع لي أملٌ | يدنـــو واليأس يباعــــده | |
ما حيلـــة صـــــبٍ يشغله | طيف بالوهـــــم يواعـده | |
أيضيــــع العمـــر ويذهبه | بحثا عن حســــن يسعده | |
أم يجثــــو في ظلمـــة دارٍ | القبــــــح بهــا يتوعــــده | |
أيكون النجــــم له سكنــــاً | أم قاع الحســــرة مرقده | |
لا أبغــــي شبابا أنثــــــره | حبا في حقــل يفســــــده | |
ما بالي أنثــــــره وهمــــا | في وجه الريح فتجحــده | |
إني والشــــــك يساورنـي | في أمـــر بـــت أفنـــــده | |
أبدو كغـــــريق في بحــــرٍ | موج كالطـــــود يعربده | |
لكن العزْمــــــــةَ أيقظهــــا | ضــــوء بفؤادي أشهـده | |
فالغصن الواجم في روحي | غنى وتراقـــــص أملـده | |
وسحــــاب أعتم لي أفقـــي | أخذت تنجــاب رواكـــده | |
إن كان الحلـــــم ذرا جبــل | من حَرِّ الجمر سأصعده | |
أو كان مليكـــــا في عرش | سيَعِنُّ خضوعا أصيــده | |
فاللحن الهارب من زمنــي | قيثارة قلبـــــي تنشــــده | |
سعيد عمر نوفمبر 1999 من المنطلق |
الأحد، 3 أكتوبر 2010
اللحن الهارب
الأربعاء، 29 سبتمبر 2010
طيف الحبيب
يا طيف حبيـــــــــــــــــب أجهله | يستلـــــــــــــــــب اللـب ويشغــلـه | |
إن كان الوصل لنا أجلاً | ما بال الــــــــــــــــقدر يؤجــــــــــله | |
فالماء الجـــــــــــــــــــاري أنهاراً | فاضت بالروض جداوله | |
والحقل الزاخر أزهــــــــــــــــاراً | أعطت بالجـــــــــــــود سنابله | |
والدَوْحُ الوارف أشجـــــــــاراً | صاحت بالشــــــدو بلابله | |
فلماذا قلبــــــــــــي ظمـــــــــــــــــــآنٌ | يبكـــــــــــــــــي والوجـــــــــــــد يُقَتِّله | |
مسلوب البسمة حــــــــيرانٌ | يشقى وتُسَـــــــــــــــــــرُ عواذله | |
يمضي كضرير يلتمس | ضـــــــــــــوءً والناس تضلله | |
عيناه تفتـــــــــــش عن حـلم | وعصــــــــــــــــاه بيده تخـــــذله | |
ما كاد يغنـــــــــي في درب | حتى تنطفــــــــــــــئ مشاعله | |
إني ملاح في بحــــــــــــــــــــــر | قد ســـــــرقت منه سـواحله | |
من لي بالحب فيرشدني | وتريح النفــــــــــــــس شمائله | |
فالنور بعَيْنَــــــــــــــــيْ فاتنــــــةٍ | لا أدري أيـــــــــــــــــــــــن أقابلـه | |
سعيد عمر أكتوبر 1999 |
الجمعة، 24 سبتمبر 2010
عاشق الأوهام
بنيت القصــر فلم تسكنيــــــــه | كتبت الشعر فلم تقرأيـــــــه |
سعيد عمر
2 / 10 / 2000
أصبحت ملهمتي
أمعنت في عينيك فانكشف الدجــى | وتهيجت من سحــرها أشجانـي |
سعيد عمر
25 / 7 / 2006
الجندل الرابع والعشرون
في مثل هذه اللحظات من العام الماضي كتبت قائلا:
"لقد ألقى بي الشلال من فوق الجندل الثالث والعشرين ليدفعني التيار سائرا بي إلى جندل جديد ..."
وقلت ساعتها بأن هذه العبارة تكفي وحدها كصورة لكل من أراد أن يتعرف على تاريخي!!
والآن .. وبعد أن ألقى بي الشلال من فوق الجندل الرابع والعشرين، فإنني أتساءل: كم بقي من الجنادل أمامي في مجرى النهر؟
آه أيها النهر الطويل الجامح .. هلا هدأت .. أو انتهيت !!
سعيد عمر
الثانية عشرة والنصف
من منتصف ليل السبت
16 / 3 / 2001
من المنطلق
خلفي لموعدكم
سيدي/ أ. سعيد إسماعيل عمر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بلغني أن سيادتكم قد آلمكم خلفي لموعدكم، وانتقاصي لحق من حقوقكم .. ولقد أبلغني من أبلغني ـ فإن صدق من أبلغني ـ قولكم بالنص:
"بأن السيد نزل من نظري" أو "نقص في نظري"
لست أعرف سيدي ما الذي حدث فجعل ما كان كبيرا يصغر .. وما كان مكتملا عندك ينقص .. خلفي لموعدكم هذا الذي حدث، فيا ترى أحدث كبير أم حدث صغير هو؟!
كي أحكم على الحدث لا بد من معرفة حدوده كي أقيمه بحجمه .. ومن ثم أقدر ما قد يترتب عليه .. ولأنك لم تعرف ما الذي حدث، فإنك لن تستطيع أن تقدر حجمه .. وبالتالي فمن الخطا الحكم على (ظاهرة) غير واضحة المعالم ... هذه واحدة!!
الثانية سيدي، سعيد:
كنت أظن ـ والحمد لله أنني لم أوقن وإلا كان من الممكن أن يضيع عندك يقيني ـ أن المعاني ثرية في ذاتها .. ثرية في أضدادها .. ما لم تقم بذاتها .. ومعنى هذا: أن شعور الضيق النفسي قد أصابك حين تركتك وانصرفت .. هذا معنى ..
وكان أولى أن تمزج هذا بهذه .. أي بالعفو منك لما بدر مني .. فيقابل شعور العفو منك لي، الغضب مني لك .. فغن الذي أوقن منه أننا نتعامل في حدود المعاني قبل الأحداث .. والشعور الحي المتدافع قبل النمطية الحياتية السقيمة.
سيدي، سعيد .. لا يحزننك أن قد كنت صغيرا في هذه .. فقد أسعدني كبرك فيها .. ولا يؤلمنك كوني تقازمت ـ إن كان التقزم حينئذ بيدي ـ فقد يطمئنني لو تكون فيها تعاظمت ..
أخي سعيد ..
يريد بعض الزملاء في عين شمس ترجمة كتاب كامل مقسم على سبعة من الأفراد .. أرجوك أخبرني بثمن ترجمة كل صفحة .. وهل تترجم الصفحة العربي أم تحسب على الصفحة E .. هذه فرصة فأرجو ان تخفض لهم بقدر الإمكان ..
أستودعك الله على أمل اللقاء بك ..
واعلم أني أحبك في الله.
والسلام
السيد النحراوي
الاثنين
26 / 3 / 2001
ألفة وتعارف
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الأستاذ سعيد إسماعيل عمر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فإنها نعم السُنَّة التي أقمناها ـ والتي أتمنى من الله ألا تنقطع ـ هي المراسلة .. أو كما أسميها أنا التواصل الفكري والتمازج الشعوري ..
أخي سعيد .. ما رزق المرء في دنياه خيرا من أخ صالح وصديق تقي يبصره ويرشده ويعلمه .. فترتاح به نفسه من تعب .. وتأنس به روحه من وحشة .. ويلذ به قلبه من هجران ..
أخي سعيد .. احفظ كلماتي إليك .. وسأحفظ كلماتك التي لعلها تكون نبراسا طيبا لأدباء أخلصوا لما ينتمون .. وصدقوا الله فيما يفعلون ..
أخي سعيد .. لقد بعثت إلي في رسالتك السابقة ما نصه:
"بسم الله الذي خلق الأرواح بقدرته .. والف بينها بحكمته .. فتعانقت، وتمازجت، ثم فاضت جدولا متهاديا ..."
هذا نص ما كتبت كما كتبت ..
واسمح لي أخي أن أتناقش معك في بعض ما كتبت وأشرح لك رأيي في معاني ما قد قيدت بالكتابة ..
لقد قلت سيدي وعبرت بلفظة: "وألف بينها بحكمته ..." واسمح أن أبين لك:
أن الفعل "ألف" لا يكون مع الأرواح وإنما الأرواح لها "فعل" آخر غيره .. فإنما جعلت الألفة للقلوب دون الأرواح كما يقول تعالى:
"وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" ( الأنفال 63).
فتكرار لفظ فعل "ألف" ثلاث مرات في الآية إنما يؤكد أن حقيقة الألفة مع القلوب لا غيرها ..
أما الأرواح فإنها إما تتعارف وإما تتناكر .. كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
"الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"
فالتعارف والتناكر منزلة دون منزلة الألفة .. والألفة تتبعها في تعارف لا شك يأتلف .. وما تناكر لا محالة يختلف .. كما قال صلى الله عليه وسلم:
"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم".
فجعل الاختلاف في الرأي يؤدي إلى اختلاف القلوب ..
أخي سعيد أردت من هذه اللفتة أن أغوص معك في بطون المعاني .. وأسبح معك خلف غيامات الألفاظ .. وأحلق معك في سماء الفكر الحي .. فاقبل مني مادة ما كتبت ..
أخي سعيد .. أنتظر ردك بحرقة وحرارة فاحتفظ بما كتبت إليك .. وأقترح أن يصور كل منا نسخة مما كتب ويحفظها عنده حتى لا تضيع ..
أراك على خير .. وجزا الله أخانا محمد رمزي حامل الرسالة خير الجزاء .. فإنه نعم الأخ .. وفي طبعه .. نقي سريرته .. تقي خلقه .. نقي فؤاده .. ولا نزكي على الله أحدا ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد النحراوي
الثلاثاء
3 / 4 / 2001
9 من شهر المحرم 1422 هـ
الخوف من الضياء
بسم الله الذي لا إله غيره .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ..
أما وقد دفعت بي الحياة إلى تلك النقطة الغريبة .. في ذلك الدرب الغريب .. حيث أصبح الماضي تلالا من جليد تسبح في بحور الذكريات .. تذوب شيئا فشيئا كلما اشتد الخناق .. حتى كادت أن تتلاشى حين انقطع رسول الحب .. وحلق الوحي وأجدب الخيال .. صارت تلك التلال طلولا من بلور صغير ناصع مغمور تحت جناح الموج .. يتألق حين يلوح القمر.. لا أذكر أن البلور تألق منذ سنين .. فسمائي ما عادت تذكر وجه الأقمار .. قد ملأت بغمام أسود .. والقلب المحزون تعود .. أن يفجع باللون الأسود ..
لا أذكر أنني يوما رايت الضياء .. هذا الضياء الذي كان في يوم رجاء .. أمل يبلغني الحقيقة والسعادة والصفاء .. قد صار في يوم وليلة خطر يناصبني العداء .. بعد أن كان الضياء دليل عيني، وقبلة روحي، وانتفاضة خاطري، ومنى قلبي، صار الآن عدوي الوحيد .. تلك هي سخرية القدر ..
لقد أصبح شعاع واحد من الضوء، بل فوتون واحد، كفيل بأن يوقعني في مشكلة كبرى .. وبعد أن كنت أبحث عن أهداب النور .. أصبحت الآن حريص كل الحرص على إسدال سجف الظلام .. صارت حياتي ظلام في ظلام .. أخشى من النور كما لو كان الموت .. كما لو كان "الورشة" التي كنت أفضل الموت على المرور عليها ليلا وانا صغير .. أصبحت لا أعمل إلا في الظلام .. أصبحت أحب الظلام .. أصبحت أكره النور.. حتى صرت الآن خلف الستائر السوداء .. لا أذكر أني يوما رايت البلور الطافي فوق بحور الماضي .. يتألق حين يطل القمر ..
أنا الذي كنت في يوم طليقا .. عصفورا رأى أن السماء بلاده .. ملك على كل أشجار الدنيا .. يقيم عشه على ايها شاء .. ومتى شاء .. وكيفما شاء .. صرت الآن حبيس جدار من الزجاج .. أرى عصافير الدنيا من خلاله تحلق مغردة لحن الحرية .. وانا لا استطيع الانضمام إليها .. أو حتى مشاركتها في الغناء .. خلف هذا الجدار الزجاجي ما عدت أعرف كيف أغني .. اختنق اللحن في ذاكرتي .. فمات .. وماتت ذاكرتي حزنا عليه ..
في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. أشعر وكأني ورقة سقطت .. من غصن ما عدت أذكر شجرته .. ما زالت تسقط .. تسقط .. كلما نظرت أمامها لا ترى إلا بئرا سحيقا مليء بالظلام الذي يفيض على جنباته .. هي لا تملك إلا أن تسقط ..
هل ذاك مصير الوهم الشارد الذي يطلقون عليه الحلم .. أنا الذي اتخذت أحلامي من النجوم قصورا .. ومن الشمس سوارا .. ومن القمر إزارا .. أنا الذي كانت أحلامي لا تعرف إلا العلا .. والصعود .. خدعتن وانحدرت صرعى في سبيل للسقوط ..
في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. درب السقوط .. درب الظلام .. أتحسس قلمي .. أين أنت يا قلمي .. أين أنت .. لا أذكر أين تركتك آخر مرة .. ومتى كانت تلك المرة .. لست أدري .. ما أشد حاجتي إليك الآن .. فلعل أفضل ما أواسي نفسي به الآن هو أن أدون ذكريات السقوط .. فتون السلوى لفؤاد أضناه النواح على أطلال ما عاد يذكرها .. فلتهنأ يا فؤادي بكاء كلما خط اليراع مشهدا من مشاهد السقوط .. ولتسعد يا قلمي أنينا كلما درجت جبين الورقة الخجولة بدموعك الغزار.
سعيد عمر
15 / 11 / 2000
الأربعاء، 22 سبتمبر 2010
إلام الصمت يا قلمي
إلام الصمـــــــــت يا قلمــي | وجرحك غيــــر ملتئـــــــمِ |
مناك الشدو في فجــــــــــرٍ | وليلك غير منصــــــــرمِ |
ولو سطـــــــرت ما تخفــي | لضاق اللـــوح بالكلـــــــــمِ |
جفاك النور فانصاعت | بك الأيام في الظلــــــــمِ |
تبــــــــــث الليــــــــــــل آهــــــــاتٍ | وقلب الليل في صممِ |
ولا ثقبـــــــــــــــــا لبارقـــــــــــــــــــــــةٍ | تخفــــف وطـــــــأة الألـــمِ |
أنا من بـــــــــــــــت تثقلنـــــــي | جبال الكرب والغمــــــمِ |
فصـــــــــــــار القلب بركانا | يضيق بلافح الحمــــــمِ |
أنا من تامـــــــــه حســـــــــــن | فجاء البيــــــــن بالسقــــــمِ |
أنا من أسدل الأحــــــزان | فوق نشيـــــد مبتسمـــــي |
فصار النوح مرثيــــــــــــــةً | تبدد ســــــــالف النغــــــــــــمِ سعيد عمر 15 / 8 / 2001 من المنطلق |
آخر أطياف الوهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ساعة واحدة ويلفظ هذا العام آخر أنفاسه وألفظ أنا الآخر آخر أطياف الوهم ..
ها هي الآن قد تجاوزت الثانية عشرة .. انقضى عصر الأوهام بسقوط آخر معاقله .. والآن أنا في انتظار شعاع ضوء اليوم الجديد .. أعرف، سيكون شعاعا حارقا .. فقد اجتثت الشجرة التي كنت أستظل بها متوهما بأنها العالم، ومتخذا منها مقرا لعشي ..
كانت تذبل شيئا فشيئا .. وكانت ترحل منها الطيور طائرا بعد الآخر .. وكنت في غفلة عن ذلك .. إلى أن جاء اليوم الذي سقطت فيه آخر أوراق تلك الشجرة .. وارتحل آخر إلف من طيورها وتركني وحيدا .. فأفقت لأجد نفسي على الأرض بعد أن أطاحت بي العواصف مع الجذع العاطب ..
لم تعد هناك أشجار .. بل صحاري قاحلة .. وتحول الطائر المحلق إلى طائر داجن عليه أن يجوب الصحاري مترجِّلا بحثا عن الحَبِّ بين ثنايا الصخور .. وإلا فالجوع والموت هو مصيره المحتوم ..
هل انتهت حياة الطائر هكذا؟ يهيم وحيدا بين الحَبِّ والصخور؟ أم أنه كما وجد أليفا من قبل على شجرة الوهم يمكن أن يجد أليفا الآن على أرض الواقع؟
وإذا كان أليف الشجرة قد هجره مع تساقط الأوراق في موسم الجفاف، فهل يقيم معه أليف الأرض مع تفتح البراعم في موسم المطر؟
سعيد عمر
31 / 12 / 2001
من المنطلق
في نقطة على درب الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
في نقطة على درب الحياة لا أعرف هل البداية أقرب إليها أم النهاية، أجلس الآن وأخط هذه السطور .. أجلس وقد أحاطت بعيني سحابات الضباب فلا أكاد أرى دماء القلم على وجنة الورقة التي أكتب عليها .. وقد وقع القلب فريسة لهموم قد أطبقت على صدري لا أعرف كيف نزلت ولا كيف ستزول، إن كانت زائلة ..
أجلس وعقلي أراه أمامي كغزالة وجدت نفسها في وادي الأسود .. فلما أدركت ذلك صارت تهرول يمينا، فإذا بأسد شاهرا أنيابه في انتظارها .. فأفزعها ما رأت فاستدارت يسارا وأخذت تجري، فإذا بأسد آخر يظهر من بريق أنيابه الطويلة أنه أكثر ضراوة من الأول .. وكلما جرت في أي اتجاه محاولة الهرب، وجدت أسدا في انتظارها يلعق شفتيه بلسان أغرته الفريسة الحائرة .. وهي الآن نعدو لا تعرف أين، ولماذا ..
أجلس وجسدي الذي أنهكه العمل في حقول القطن نهارا، والسهد في حقول الحيرة والوهم ليلا، قد اعتراه نحول يكاد من فرطه أن تراني النسور المحلقة فريسة سهلة في بحثها الذي لا يمل عن أمثالي من المشرفين على الموت ..
هذه هي حالتي في تلك النقطة اللامعلوم مكانها على درب حياتي ـ والتي يبدو أنها أقرب من النهاية عنها من البداية ـ جسدا وعقلا وروحا ..
من تلك النقطة أنظر خلفي .. ثم أنظر أمامي .. فلا أدري لماذا كان خلفي .. ولا ماذا سيكون أمامي .. أنا جالس وليس في جسدي أو عقلي أو روحي قوة تدفعني إلى النهوض كي أفتش في سجلات الماضي .. أو أستشرف آفاق المستقبل ..
أنا جالس وإحساس بالغربة يرميني بعيدا في عالم أجهله .. كل ما فيه ومن فيه غريب .. أشعر بالغربة عن وطني .. أشعر بالغربة عن أهلي وإخوتي .. أشعر بالغربة في داري .. في حجرتي .. اشعر بالغربة عن نفسي ..
من أنا؟ من ذلك الكائن الذي يقول عنه من حولي أنه أنا؟ إنه كائن طالما لازمني وطالما حيرني .. لا أعرف لماذا كان .. ولا ماذا سيكون .. ولا كيف .. لا أعرف ماذا يريد من الدنيا .. ولا أعرف ماذا يريد مني .. لا أعرف هل حقا هو أنا، أم أنها روح هائمة تلبسني وتدور كطيف في عالم كله أطياف لا مكان فيه للحقيقة .. أما أنا فأغط في نومي في مكان ما من الوجود .. أو اللاوجود .. حيث الحقيقة تنظر إلي وقح احتضنتني وأخذت يدها تملس شعري في شفقة أثارها معرفتها بحلمي المفزع .. أخبريني أيتها الروح الساكنة أعماقي .. والتي سلبتني من كينونتي .. من أنت؟ وما الذي تعرفينه عني؟
آه أيتها النقطة اللعينة .. لماذا لا تكونين نهاية هذا الدرب الأليم فتتكشف الحقيقة .. وتنجلي تلك الظلمة الكئيبة ..
أذكر، فيما أذكر الآن من الماضي الذي يتراءى أمامي في صورة مشوهة المعالم لشكل رسمته بيدي ولا أعرف لماذا خرج على تلك الصورة بالذات ولا لماذا رسمته أصلا .. أذكر أنني ما اخترت دربا أسير فيه دون غيره من الدروب عن اقتناع وقين، أو عن فهم وبصيره .. بل ساقتني إليه قوة مجهولة لا أعرف لها اسما أو جنسا أو مكانا أو كنها .. تدفعني إلى السير فيه فأسير كأعمى ضلت عنه عصاه فلم يجد مفرا من السير على هدى من حوله وفي أعماقه شك في أمرهم، وشعور بعدم الجدوى والترقب، وإحساس بأنه في لحظة معينة أثناء سيره سيرفع قدمه ليضعها ، فغذا به يضعها في خندق مشتعل .. ولكنه يسير ولا يثنيه عن ذلك الإحساس وتلك الفكرة إلا قلة حيلته وهوانه ..
دائما أسال نفسي: هل تحب السير في هذا الدرب؟ فيبادر قلبي بإجابة يدفعه إليها ما يعانيه من شك وحيرة ويقول لا .. إذا فلماذا تسير؟ فأجيب بالسؤال: وهل هناك درب آخر تفضل السير فيه؟ ويكون ذلك السؤال إيذان بقفل باب المناقشة، حيث إن الإجابة الصامتة لم تحصل على الأغلبية المطلوبة لطرح سؤال غيره ..
أجلس في تلك النقطة الآن بعد عودتي من رحلة في عالم الماضي .. وما أبصرته في تلك الرحلة من عمى أصابني في مدينة الماضي لا يقل غموضا عما أنا فيه في مدينة الحاضر، حيث أجلس متكأ على جدار ذو أبواب لا أعرف لها عددا .. وجمع من الناس أمامي يتلاشون في ضباب الأفق .. كل واحد منهم يشير إلى أحد الأبواب ويصيح: "اطرق هذا الباب" .. فأنظر إلى الأبواب فلا أجد ثقبا واحدا فيها أستطيع من خلاله رؤية ضوء طالما اشتقت إلى بريقه وحقيقته المتألقة ..
وفي غمرة هذا الضجيج أسمع صوت العقل يصيح: "اطرق هذا الباب" .. فيلقي هذا الصوت على أصوات الضجيج رداء سميكا فلا أسمع إلا صداها يموج في آذاني كلما خفت صوت العقل الرنان ..
ثم تنتابني فجأة قشعريرة تنتصب لها خصلات شعري إثر صوت ملائكي قادم من أعماق الروح، حيث عالم الوجدان السابح في ملكوت الطمأنينة الأبدية .. صوت نبراته الحكمة .. ولحنه السرور .. وإيقاعه الرقة والعذوبة .. يقول واثقا مطمئنا: "اطرق هذا الباب" .. فأنهض واقفا وقد دبت الحياة في أوصالي وأسرع لكي أطرق ذلك الباب .. فأراه ينفتح أمامي وهالات النور تلوح خلفه .. فأركض نحوها ..
وإذا بقطيع الناس أمامي يسدون عن عيني ضوء الأمل .. ويقطعون ما بقلبي من ألحان الصفاء المطلق بأصواتهم الكدرة الجافة التي تسد آذاني بضجيجها المفزع .. وتطبق على قلبي برواسبها العفنة .. فتفر الروح من أعماقي .. وأصير جسدا عاثت فيه الأمراض فسادا .. يطفو على أمواج ضجيج البشر التي تقذفه وتتلقاه دون أن تتركه على شاطئ ينعم عليه بموت هادئ ..
سعيد عمر
8 / 10 / 1999
الأحد، 19 سبتمبر 2010
عشـــق المحـــال
تعالي نعيـــــد زمان الجمــال | ولو كان ذاك بدنيا الخيـــال | |
فقد آن للقلــــب أن يرتـــــوي | ولو كان مـــاء الروا لمع آل | |
تعالي نعانــــد هذا الوجـــــود | وللوهم هيا نشــــد الرحـــال | |
فإني بنيت قصـــور المعانـي | هناك وشيدت قصر الجمال | |
تعالي نعانـــــــد هذا الزمـــان | فنسخر من قيــــده والعقـــال | |
ونحلم أنا غــــدونا طيـــــورا | تحلق بين النجــــوم العـــوال | |
فما الأسر إلا لهذي الجســـوم | ولكن أرواحـــــنا لا تطــــال | |
تعالي نعيــــد لحون الســواقي | فهذي أطـــــلالها لا تـــــزال | |
تعالي نلملــــم أشـــــلاء حلــم | سفها تدوس عليـــه النعــــال | |
تعالي فإني فقــــدت الضيـــاء | وما الضوء إلا قرين الظلال | |
تولد أشباحـــها في الصبـــاح | فتغـــري أحلامنا بالنضـــال | |
نقاتل والشمس فوق الرؤوس | تميـــل فتجعلــــها كالتــــلال | |
تطول إلى أن تغدوا مســـوخا | فتقضي علينا عنـــد الــزوال | |
فهل ترسل الشمس إلا ضياء | ترمي في إثـــــره بالنبـــــال | |
إني قتلـــــــت وهذي دمــــائي | لا أدري من أي جرح تسـال | |
فهل كنــت إلا شـــــريدا أتاكِ | يبحث عن رشده من ضـلال | |
وهل كنت إلا ذليـــــلاً هـواكِ | رأي في جمالك أبهى مثــــال | |
أمضى الليالي سهدا فأضحـى | يشكو من شوقــــه والهـــزال | |
فلا تبخلين بمنحــــــي الــدواء | ولا تقطعين بقلبي الســـــؤال | |
وإن كان دائي عشقي الصفاءَ | بعينيك بالبرء صعب المنـال | |
فهيهات للعشق ترك الحنـــايا | وهيهات للصب نيل الوصال | |
فحسبــــــي أني أرنـــو إليــها | وحسبُ الأماني عشق المُحال | |
سعيد عمر 8 / 4 / 2001 من المنطلق |
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)