الجمعة، 24 سبتمبر 2010

الخوف من الضياء

بسم الله الذي لا إله غيره .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ..

أما وقد دفعت بي الحياة إلى تلك النقطة الغريبة .. في ذلك الدرب الغريب .. حيث أصبح الماضي تلالا من جليد تسبح في بحور الذكريات .. تذوب شيئا فشيئا كلما اشتد الخناق .. حتى كادت أن تتلاشى حين انقطع رسول الحب .. وحلق الوحي وأجدب الخيال .. صارت تلك التلال طلولا من بلور صغير ناصع مغمور تحت جناح الموج .. يتألق حين يلوح القمر.. لا أذكر أن البلور تألق منذ سنين .. فسمائي ما عادت تذكر وجه الأقمار .. قد ملأت بغمام أسود .. والقلب المحزون تعود .. أن يفجع باللون الأسود ..

لا أذكر أنني يوما رايت الضياء .. هذا الضياء الذي كان في يوم رجاء .. أمل يبلغني الحقيقة والسعادة والصفاء .. قد صار في يوم وليلة خطر يناصبني العداء .. بعد أن كان الضياء دليل عيني، وقبلة روحي، وانتفاضة خاطري، ومنى قلبي، صار الآن عدوي الوحيد .. تلك هي سخرية القدر ..

لقد أصبح شعاع واحد من الضوء، بل فوتون واحد، كفيل بأن يوقعني في مشكلة كبرى .. وبعد أن كنت أبحث عن أهداب النور .. أصبحت الآن حريص كل الحرص على إسدال سجف الظلام .. صارت حياتي ظلام في ظلام .. أخشى من النور كما لو كان الموت .. كما لو كان "الورشة" التي كنت أفضل الموت على المرور عليها ليلا وانا صغير .. أصبحت لا أعمل إلا في الظلام .. أصبحت أحب الظلام .. أصبحت أكره النور.. حتى صرت الآن خلف الستائر السوداء .. لا أذكر أني يوما رايت البلور الطافي فوق بحور الماضي .. يتألق حين يطل القمر ..

أنا الذي كنت في يوم طليقا .. عصفورا رأى أن السماء بلاده .. ملك على كل أشجار الدنيا .. يقيم عشه على ايها شاء .. ومتى شاء .. وكيفما شاء .. صرت الآن حبيس جدار من الزجاج .. أرى عصافير الدنيا من خلاله تحلق مغردة لحن الحرية .. وانا لا استطيع الانضمام إليها .. أو حتى مشاركتها في الغناء .. خلف هذا الجدار الزجاجي ما عدت أعرف كيف أغني .. اختنق اللحن في ذاكرتي .. فمات .. وماتت ذاكرتي حزنا عليه ..

في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. أشعر وكأني ورقة سقطت .. من غصن ما عدت أذكر شجرته .. ما زالت تسقط .. تسقط .. كلما نظرت أمامها لا ترى إلا بئرا سحيقا مليء بالظلام الذي يفيض على جنباته .. هي لا تملك إلا أن تسقط ..

هل ذاك مصير الوهم الشارد الذي يطلقون عليه الحلم .. أنا الذي اتخذت أحلامي من النجوم قصورا .. ومن الشمس سوارا .. ومن القمر إزارا .. أنا الذي كانت أحلامي لا تعرف إلا العلا .. والصعود .. خدعتن وانحدرت صرعى في سبيل للسقوط ..

في هذه النقطة الغريبة .. على هذا الدرب الغريب .. درب السقوط .. درب الظلام .. أتحسس قلمي .. أين أنت يا قلمي .. أين أنت .. لا أذكر أين تركتك آخر مرة .. ومتى كانت تلك المرة .. لست أدري .. ما أشد حاجتي إليك الآن .. فلعل أفضل ما أواسي نفسي به الآن هو أن أدون ذكريات السقوط .. فتون السلوى لفؤاد أضناه النواح على أطلال ما عاد يذكرها .. فلتهنأ يا فؤادي بكاء كلما خط اليراع مشهدا من مشاهد السقوط .. ولتسعد يا قلمي أنينا كلما درجت جبين الورقة الخجولة بدموعك الغزار.


سعيد عمر
15 / 11 / 2000


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق