الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

إلام الصمت يا قلمي


إلام الصمـــــــــت يا قلمــي
وجرحك غيــــر ملتئـــــــمِ
مناك الشدو في فجــــــــــرٍ
وليلك غير منصــــــــرمِ
ولو سطـــــــرت ما تخفــي
لضاق اللـــوح بالكلـــــــــمِ
جفاك النور فانصاعت
بك الأيام في الظلــــــــمِ
تبــــــــــث الليــــــــــــل آهــــــــاتٍ
وقلب الليل في صممِ
ولا ثقبـــــــــــــــــا لبارقـــــــــــــــــــــــةٍ
تخفــــف وطـــــــأة الألـــمِ
أنا من بـــــــــــــــت تثقلنـــــــي
جبال الكرب والغمــــــمِ
فصـــــــــــــار القلب بركانا
يضيق بلافح الحمــــــمِ
أنا من تامـــــــــه حســـــــــــن
فجاء البيــــــــن بالسقــــــمِ
أنا من أسدل الأحــــــزان
فوق نشيـــــد مبتسمـــــي
فصار النوح مرثيــــــــــــــةً
تبدد ســــــــالف النغــــــــــــمِ


سعيد عمر
15 / 8 / 2001
من المنطلق

آخر أطياف الوهم

بسم الله الرحمن الرحيم

ساعة واحدة ويلفظ هذا العام آخر أنفاسه وألفظ أنا الآخر آخر أطياف الوهم ..

ها هي الآن قد تجاوزت الثانية عشرة .. انقضى عصر الأوهام بسقوط آخر معاقله .. والآن أنا في انتظار شعاع ضوء اليوم الجديد .. أعرف، سيكون شعاعا حارقا .. فقد اجتثت الشجرة التي كنت أستظل بها متوهما بأنها العالم، ومتخذا منها مقرا لعشي ..

كانت تذبل شيئا فشيئا .. وكانت ترحل منها الطيور طائرا بعد الآخر .. وكنت في غفلة عن ذلك .. إلى أن جاء اليوم الذي سقطت فيه آخر أوراق تلك الشجرة .. وارتحل آخر إلف من طيورها وتركني وحيدا .. فأفقت لأجد نفسي على الأرض بعد أن أطاحت بي العواصف مع الجذع العاطب ..

لم تعد هناك أشجار .. بل صحاري قاحلة .. وتحول الطائر المحلق إلى طائر داجن عليه أن يجوب الصحاري مترجِّلا بحثا عن الحَبِّ بين ثنايا الصخور .. وإلا فالجوع والموت هو مصيره المحتوم ..

هل انتهت حياة الطائر هكذا؟ يهيم وحيدا بين الحَبِّ والصخور؟ أم أنه كما وجد أليفا من قبل على شجرة الوهم يمكن أن يجد أليفا الآن على أرض الواقع؟

وإذا كان أليف الشجرة قد هجره مع تساقط الأوراق في موسم الجفاف، فهل يقيم معه أليف الأرض مع تفتح البراعم في موسم المطر؟


سعيد عمر
31 / 12 / 2001
من المنطلق

في نقطة على درب الحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

في نقطة على درب الحياة لا أعرف هل البداية أقرب إليها أم النهاية، أجلس الآن وأخط هذه السطور .. أجلس وقد أحاطت بعيني سحابات الضباب فلا أكاد أرى دماء القلم على وجنة الورقة التي أكتب عليها .. وقد وقع القلب فريسة لهموم قد أطبقت على صدري لا أعرف كيف نزلت ولا كيف ستزول، إن كانت زائلة .. 

أجلس وعقلي أراه أمامي كغزالة وجدت نفسها في وادي الأسود .. فلما أدركت ذلك صارت تهرول يمينا، فإذا بأسد شاهرا أنيابه في انتظارها .. فأفزعها ما رأت فاستدارت يسارا وأخذت تجري، فإذا بأسد آخر يظهر من بريق أنيابه الطويلة أنه أكثر ضراوة من الأول .. وكلما جرت في أي اتجاه محاولة الهرب، وجدت أسدا في انتظارها يلعق شفتيه بلسان أغرته الفريسة الحائرة .. وهي الآن نعدو لا تعرف أين، ولماذا ..

أجلس وجسدي الذي أنهكه العمل في حقول القطن نهارا، والسهد في حقول الحيرة والوهم ليلا، قد اعتراه نحول يكاد من فرطه أن تراني النسور المحلقة فريسة سهلة في بحثها الذي لا يمل عن أمثالي من المشرفين على الموت .. 

هذه هي حالتي في تلك النقطة اللامعلوم مكانها على درب حياتي ـ والتي يبدو أنها أقرب من النهاية عنها من البداية ـ جسدا وعقلا وروحا ..

من تلك النقطة أنظر خلفي .. ثم أنظر أمامي .. فلا أدري لماذا كان خلفي .. ولا ماذا سيكون أمامي .. أنا جالس وليس في جسدي أو عقلي أو روحي قوة تدفعني إلى النهوض كي أفتش في سجلات الماضي .. أو أستشرف آفاق المستقبل .. 

أنا جالس وإحساس بالغربة يرميني بعيدا في عالم أجهله .. كل ما فيه ومن فيه غريب .. أشعر بالغربة عن وطني .. أشعر بالغربة عن أهلي وإخوتي .. أشعر بالغربة في داري .. في حجرتي .. اشعر بالغربة عن نفسي .. 

من أنا؟ من ذلك الكائن الذي يقول عنه من حولي أنه أنا؟ إنه كائن طالما لازمني وطالما حيرني .. لا أعرف لماذا كان .. ولا ماذا سيكون .. ولا كيف .. لا أعرف ماذا يريد من الدنيا .. ولا أعرف ماذا يريد مني .. لا أعرف هل حقا هو أنا، أم أنها روح هائمة تلبسني وتدور كطيف في عالم كله أطياف لا مكان فيه للحقيقة .. أما أنا فأغط في نومي في مكان ما من الوجود .. أو اللاوجود .. حيث الحقيقة تنظر إلي وقح احتضنتني وأخذت يدها تملس شعري في شفقة أثارها معرفتها بحلمي المفزع .. أخبريني أيتها الروح الساكنة أعماقي .. والتي سلبتني من كينونتي .. من أنت؟ وما الذي تعرفينه عني؟

آه أيتها النقطة اللعينة .. لماذا لا تكونين نهاية هذا الدرب الأليم فتتكشف الحقيقة .. وتنجلي تلك الظلمة الكئيبة ..

أذكر، فيما أذكر الآن من الماضي الذي يتراءى أمامي في صورة مشوهة المعالم لشكل رسمته بيدي ولا أعرف لماذا خرج على تلك الصورة بالذات ولا لماذا رسمته أصلا .. أذكر أنني ما اخترت دربا أسير فيه دون غيره من الدروب عن اقتناع وقين، أو عن فهم وبصيره .. بل ساقتني إليه قوة مجهولة لا أعرف لها اسما أو جنسا أو مكانا أو كنها .. تدفعني إلى السير فيه فأسير كأعمى ضلت عنه عصاه فلم يجد مفرا من السير على هدى من حوله وفي أعماقه شك في أمرهم، وشعور بعدم الجدوى والترقب، وإحساس بأنه في لحظة معينة أثناء سيره سيرفع قدمه ليضعها ، فغذا به يضعها في خندق مشتعل .. ولكنه يسير ولا يثنيه عن ذلك الإحساس وتلك الفكرة إلا قلة حيلته وهوانه .. 

دائما أسال نفسي: هل تحب السير في هذا الدرب؟ فيبادر قلبي بإجابة يدفعه إليها ما يعانيه من شك وحيرة ويقول لا .. إذا فلماذا تسير؟ فأجيب بالسؤال: وهل هناك درب آخر تفضل السير فيه؟ ويكون ذلك السؤال إيذان بقفل باب المناقشة، حيث إن الإجابة الصامتة لم تحصل على الأغلبية المطلوبة لطرح سؤال غيره ..

أجلس في تلك النقطة الآن بعد عودتي من رحلة في عالم الماضي .. وما أبصرته في تلك الرحلة من عمى أصابني في مدينة الماضي لا يقل غموضا عما أنا فيه في مدينة الحاضر، حيث أجلس متكأ على جدار ذو أبواب لا أعرف لها عددا .. وجمع من الناس أمامي يتلاشون في ضباب الأفق .. كل واحد منهم يشير إلى أحد الأبواب ويصيح: "اطرق هذا الباب" .. فأنظر إلى الأبواب فلا أجد ثقبا واحدا فيها أستطيع من خلاله رؤية ضوء طالما اشتقت إلى بريقه وحقيقته المتألقة .. 

وفي غمرة هذا الضجيج أسمع صوت العقل يصيح: "اطرق هذا الباب" .. فيلقي هذا الصوت على أصوات الضجيج رداء سميكا فلا أسمع إلا صداها يموج في آذاني كلما خفت صوت العقل الرنان .. 

ثم تنتابني فجأة قشعريرة تنتصب لها خصلات شعري إثر صوت ملائكي قادم من أعماق الروح، حيث عالم الوجدان السابح في ملكوت الطمأنينة الأبدية .. صوت نبراته الحكمة .. ولحنه السرور .. وإيقاعه الرقة والعذوبة .. يقول واثقا مطمئنا: "اطرق هذا الباب" .. فأنهض واقفا وقد دبت الحياة في أوصالي وأسرع لكي أطرق ذلك الباب .. فأراه ينفتح أمامي وهالات النور تلوح خلفه .. فأركض نحوها ..

وإذا بقطيع الناس أمامي يسدون عن عيني ضوء الأمل .. ويقطعون ما بقلبي من ألحان الصفاء المطلق بأصواتهم الكدرة الجافة التي تسد آذاني بضجيجها المفزع .. وتطبق على قلبي برواسبها العفنة .. فتفر الروح من أعماقي .. وأصير جسدا عاثت فيه الأمراض فسادا .. يطفو على أمواج ضجيج البشر التي تقذفه وتتلقاه دون أن تتركه على شاطئ ينعم عليه بموت هادئ .. 

سعيد عمر
8 / 10 / 1999