الخميس، 23 أغسطس 2012

أهلا بمحاورات المفترق

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الحبيب السيد النحراوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلا "بمحاورات المفترق" .. وليت المفترق لم يكن .. أما وقد كان ، فلن يكون سوى افتراق أجساد .. أما الأرواح فهي في عالم الوصال الدائم غير منقطع تناجيها .. وها هي محاورات المفترق تتحدى المسافات وتترجم هذا التناجي الروحي إلى حروف لا تمحى تحفظ قصتنا في سجلات التاريخ .. 

سيدي .. جاءتني رسالتك لتجد عقلا طمست السفاسف فكره ، وقلبا غطت الأحزان شعوره .. وروحا قيد اليأس عزائمها .. ونفسا شوهت الغربة معالمها .. وجسدا زاد الهم نحوله .. فإذا بها ترويني بعد ظمأ .. وتحييني بعد موات .. وتوقظني بعد غفلة ..

نعم سيدي .. لقد مر علينا دهر فقدنا فيه الطريق .. وحرمنا فيه الصديق .. وتوالى علينا فيه ضيق بعد ضيق ، فأعتمت آفاقنا .. وأظلمت سماؤنا .. وغاب شدونا .. وانكسر حلمنا ، فبات الأمل ضعيفا .. وصار الدرب مخيفا .. وأصبحت السفوح لنا مقاما .. وأضحى القعود عن الصعود مراما .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

فلننهض أخي قبل فوات العمر .. ولنغتنم ما بقي لنا من أنفاس .. ولنهتدي بما رسمناه في المعترك من أحلام .. ولنبني على ما شيدناه هناك من نجاح وإنجاز .. فلا زالت الفرصة قائمة .. ولا زال السباق مفتوح .. وها هي الجوائز في آخر الدرب تنادي على ذوي العزائم وأصحاب الهمم ..

أذكرك سيدي بأننا لسنا طيورا داجنة لا تعرف التحليق ، بل نسورا لنا في أفق السماء صولات وجولات .. ولسنا ضباعا نرضي بفتات الذل ، بل أسودا لنا في غابات المجد عرين .. طريقنا الصعب .. وحياتنا الجهد .. وحلمنا قمم الجبال .. وإن كنت قد نسيت فارجع لرسائل المنطلق ..

أخي ها هي يدي إليك تمتد .. فهيا نكمل الطريق معا كما بدأناه معا .. وليكن تواصلنا رغم المفترق بلا انقطاع ..

سعيد إسماعيل عمر

30-5-2007

أولى "محاورات المفترق"

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى ، وبعدأخي الحبيب سعيد عمر السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهفلتكن هذه أولى "محاورات المفترق"  نتواصل بها بعد طول فرقة ، ونتآلف بها بعد عظيم وحشة



نجدد ما أبلاه الزمان ، ونؤسس لما سيكون ونجلِّي لما قد كان ، ونحيي بها "محاورات المعترك" التي قد بدأناها سويا فانتظم بها عقد محبتنا ، وتواصلت بها جدائل أفكارنا ، فعمَّرت زمنا طويلا يسقينا غيثه ، ويظللنا برده ، ويدفع عنا واقع الحياة بتأزماتها ، فنهرب منها لملاقاتها ، ونبتعد عنها للإستعداد لها .


صديقي ، وهاهو الواقع المأزوم قد استفرس بك ، وتأسد عليّ ، فإذا لم يكن للمرء زاد يستعين به؛ توهته الدروب ، وضللته المسالك ، فبات أسيرا ترضخ رأسه سفسفاتها ، وتملك قلبه زخارفها ،وأنَّى له الهروب منها وهي تحاصره من كل جهة ، وتواجهه من كل ناحية . فإذا لم يكن عقلك لي عقل ، وقلبي لك قلب ، وزادنا إلى الله زاد .. تهنا وضعنا.


أخي سعيد : أكتب إليك هذه الرسالة القصيرة وينتظرني حدثين قريبين : أولهما بعد ساعة أو أقل.وثانيهما بعد يومين أو يزيد. أما الأول: فهو امتحان اليوم الأول للسنة الثالثة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب. وأما الثاني فهو ابتداء إجازتي الخاصة لمدة عام ، والتي تمت الموافقة عليها بعد صعوبة شديدة ، وهي إجازة للتفرغ للدراسة ، وحسنا فعلوا ، إنها يا سيدي لبشارة طيبة ، أنتظرها بشغف ، إنه "عام العلم " هكذا فليكن . أعدك أنني لن أضيع ثوانيه ، ولن أغفل عن لحظاته ، فليكن هو العام الأول في عمري القصير الذي أتفرغ فيه تفرغا كاملا للعلم ، وإن أمامي أمانيا كبارا وضعنا بذرتها سويا ، وآمل من الله تعالى تحقيقها .


فليكن صنيعنا الجد ، وطريقنا الصعب ، وهمتنا البركان ، ونومنا الغفوة ، وزادنا التمرة ، ومركبنا الخطوة ، وهدفنا قمة الجبل ، وغايتنا من ليس لنا سواه ، ولا نرجو غيره ، ولا نعمل إلا له ، فهو قريب قريب ، سميع مجيب ، يمنع عنك ليعطيك ، ويمتحنك ليمنحك ..


أخي الحبيب ، لتكن أولى محاوراتنا تحديد للهدف ، ورسم للطريق ، حتى لا تضيع محاوراتنا سفسطة بغير ثمرة ، وجدل عقيم بغير فائدة : لفظ مشقشق ، وجل منمق ، وزخرفات مرتبة .. فإذا بحثت فيها عن معنىً يأسرك ، أو فكرة تدفعك ، أو غورا من الأمر يشدك ويجذبك .. فلا تجد .لا يا صاحبي ، فإنما يحكم الكلام معانيه ، ويصوغ اللفظ فكر صاحبه ، وترقد هنالك "حالات المعاني " فمنها يستمد معنى ، وعليها يقوم فكر. أخي فلنمزج اللفظ بالفكر فيقوده ، ونوشِّج الفكر بأمهات المعاني فيلزمه ، فإنما كلامنا : لغامض نجلِّيه ونوضحه ، أو لمخبوءٍ نفلقه ونظهره ، أو لمختلط نزيل اللبس عنه ونبينه . وهل هناك غير هذه الثلاثة تستحق منا الجهد ، وتستلزم منا البذل !! أن نعرِّف بفكر مخبوء ليس له وجود ، أو فكر موجود غير أنه مختلط مشوب ، أو فكرة جديدة نسعى للكشف عنها والتنظير لها؛ كل هذا على مستوى العقل فكره . أما على مستوى القلب فليكن صنيعنا : إما أن نستشعر (معنى) لم نبلغه ، أو نحقق عاطفة عايشناها بيد أنا لم نبلغ الغاية منها.وليكن عنوان ذلك كله : خُلُق يظهر أثره ، وتفوح قيمه ، وتبدو معالمه.


أخي سعيد لا يصلك خطابي هذا إلا على الجد محمله ، العزم مركبه .ولا يصادفن منك إلا عصبا بغير لحم؛ فما الإنسان بالجسد ، ولا المرء بالبنيان ، وإنما بما استقر في باطنه من مجريات الفكرة والشعور .أخي إن ما مضي من الفائت ،أدعى بنا لأن نغتنم ما في أيدنا قبل أن يفوت ، وكفانا من معظم العمر ضياعه ، فهيا بنا لنخط لأنفسنا طريقا بدأناه ، ونخيط لنا ولغيرنا ثوبا قد نسجناه؛ غير أنا نحتاج إلى تفصيله وحياكته بما يتناسب مع الغاية التي نسعى لها.


أخي الحبيب فلنضع لأنفسنا منهجا نسير عليه ، وخطوا نستبق إليه ، فيكون لنا عنوانا وعلينا دليلا ، فقد كثر اللغط ، واستحكم الغلط ، وطفا على السطح كل قبيح ، وقعد عن المواجهة كل مجاهد غيور ، قوي جسور ، يملك من أسباب النصر والتمكين ما يقيم به الدعائم ، ويبني عليه القواعد ، غير أنه ما زال لا يحسن الوجهة ، أو يحبسه ضعف الهمة.


سعيد إنني اشتاق إليك اشتياق الرفيق في الصحبة ، والنديم في الخلوة ، والأخ الصدوق في وقت المحنة ، فهل لك في مدٍ لساعديك فإن البحر متلاطم أمواجه ، متدارك خطبه ،حالك ليله ، متشعبة مسالكه ودروبه ، فهيا بنا نُمسك كفا بكف ، ونضع قلبا على قلب ، ونمزج روحا بروح .. فإن في التقائنا قوة ، وفي تجمعنا عين الفتوة ، وفي توحدنا النصر المبين .


أخي الحبيب لتكن هذه هي أول وثيقة من وثائق "محاورات المفترق" عرضت فيها لجملة الأهداف التي أرى من الواجب أن تجمعنا ، ( قلب وعقل وخلق ) وتبقى بعد ذلك الآليات والوسائل .فإن اتفقت معي على الهدف فلتحدد لنا الوسائل التي سوف نتحاور فيها مبتدءا ذلك برؤوس الموضوعات المقترحة وطريقة اللقيا حولها ، وإلا فأضف أو احذف منها ما شئت ، وليكن ذلك كتابة قبل مشافهة .


أخي الحبيب لو شئت أن تسمي رسالتي إليك ..



السيد النحراوي الأحد 27/5/2007